Sunday, November 9, 2008

أين هي الجفرا اليوم


مضت 84 سنة ولحظات، وجفرا تنظر حولها بعيون ناعسة ثم تبتسم...وأعلن الخبر ! لم يعرف برحيلها سوى قلة من أهل القرية الذين فرقتهم الغربة..تناقلوا الخبر بهدوء. وصوت يتحسر : رحمها الله ! كانت تحافظ على أناقتها وتمشي بالـ"كعب العالي" حتى آخر أيامها ! وصغير يسأل : أبي! ومن هي الجفرا ؟! وموظف الأونورا يضيف اسما جديدا لقائمة اللاجئين الأموات. وعامل يكتب على لوح من الرخام : الفاتحة. بسم الله الرحمن الرحيم. وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا.تستريح المرحومة الحاجة رفيقة نايف حماده.أم كامل الجفرة. مواليد كويكات فلسطين 1923. توفيت في 10-1-2007.الموافق 20 ذو الحجة 1427


كنت أتسائل طوال هذه الرحلة الفريدة، لو كانت الجفرا وعاشقها يهوديان، فهل كانت لتبقى هذه القصة طي الكتمان حتى نفجع بخبر وفاة جميع أبطال هذه القصة ؟! يا ترى كم من الأفلام كانت ستخرج في هوليوود ، وكم أغنية ورواية وقصيدة كانت ستتغنى بها... الجفرا الآن ترقد في مقبرة برج البراجنة في بيروت، ماتت في غربة الأرواح بعيدة عن نكهة الوطن...والمخيم الذي عاشت فيه سنين من عمرها اكتظ باللاجئين وتزداد أوضاعهم سوءا يوما بعد يوم. أما قريتها الصغيرة "كويكات"، فقد أقيمت على أنقاذها مستعمرة "بيت عميق" ليهود بريطانيا وأوروبا !يا ترى كم شخصية ماتت قبل أن ينتبه إلى وجودها أحد ؟ وهل ستبقى "الصدفة" وحدها التي تقرر تدوين ما تبقى من التراث فلسطيني؟! هل ستموت أغاني الجفرا كما ماتت هي ؟ ربما كانت هذه القصة ببعدها الإنساني وغيرها الكثير فرصتنا للخروج من حالة "التعميم" و"الترقيم" التي باتت تلاحق آلام هذا الشعب وشهدائه !أما أنتِ يا جفرا ...فتقبلي عذري وأسفي على ما اقترفته حروفي من تقصير...ورود أنثرها فوق ثراكِ، ووعد باللقاء في جنان السماوات...

ولقد تطوّرت هذه الأغنية كمثيلاتها من الأغاني الشعبية الفلسطينيّة وشهدت تحوّلا كبيرا في مواضيعها لأسباب عديدة ، أهمّها على الإطلاق التوازي مع تطوّر القضيّة الفلسطينيّة وتوالي ثوراتها قبل النكبة وبعدها ، ولم تعد الجفرا مجرّد إمراة جميلة ، بل أصبحت تمثل الأرض والبندقيّة والمقاومة والأمل بالتحرير والعودة ، فتحوّلت الأغنية من جفرا ويا هالرّبع إلى :ثورة ويا هالرّبع شعب وفدائيّهماشيين حتّى النصّر على الصهيونيّهوربّما كانت أغنية فرقة العاشقين هي الشّاهد الأبرز في هذا المجال ، ومنهاجفرا ويا هالرّبع ربع المراتينِشلاّل ينبع نبع دمّ الفلسطينيلمّا يغيب القمر تضوي شرايينيوتزخّ زخّ المطر عَ دروب الحريّةومنها أيضا ما قاله الشّاعر أبو عرب :جفرا ويا ها الرّبع وتقول استنّونيما بنسى قطاف الشّجر و قطاف زيتونيما بنسى منسف هلي وخبزات طابونيمهباج دقّ قهَوَه و سهرات ليليّهوأيضا ما غنّته فرقة الروابي في شريط عهد ووفاء من كلمات الشّاعرة مريم العمّوري:جفرا وهيه يالرّبع ويا مين يناديني فِدائي واسمي القسّام ودمّي فلسطيني من زولي هاب العدو مَ استرجى يلاقيـني عهدا ي بلادي مَ تهوني وقلبي لِك هديّةوما تزال الجفرا تلهم الشّعراء والزجّالين إلى يومنا هذا ، وتشهد منتديات الزجل الإنترنتية محاورات يوميّة بين محترفي وهواة الزجل في موضوع الجفرا

لم يشهد التاريخ – ماضيه وحاضره – شعب أجبر على التشرّد في المنافي القريبة والبعيدة كالشعب الفلسطيني ، فالمليون الذين توزّعوا على مخيّمات اللجوء والمدن العربيّة القريبة بعد النكبة ، أضحوا اليوم أكثر من ستّة ملايين لاجئ مبعثرين على جهات العالم الأربع ، حتّى أنّه تكاد لا تخلو مدينة على الكرة الأرضيّة من فلسطيني يعيش فيها ، وكما حمل اللاجئون الأول مفاتيح بيوتهم في أيديهم ، فقد حملوا تراثهم في قلوبهم ، وأورثوه للأجيال المتعاقبة شفاهة وكتابة ، وبما أنّ التراث الشعبي هو الحافظ الأمين لذاكرة الشعوب ، وصلة الوصل بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، فقد تمّ إيلاء الجهد الأكبر لحفظ هذا التراث بكلّ مقومّاته ، الزيّ الشعبي وطقوس وعادات الأفراح والأتراح والمناسبات الأخرى والأغنيّات المتوارثة ، وتبدو الفرصة الآن أكبر لمتابعة ذلك ، فمع ثورة الإتصالات والإنترنت ، أصبح من السهل توثيق كل تلك الأمور ، وتبادل معلوماتها من جهة لأخرى.ويعدّ الزجل الشعبي عمودا أساسيا من أعمدة التراث التي يجب العمل على إبقائه حيّا ، والجاليات في الغرب تتشوّق دائما لسماعه ، والدليل هو توافد الكثيرين من المدن والبلدان المختلفة لحضور حفلات الفرق الإنشادية كالروابي والإعتصام ، وحفلات أبو عرب في بريطانيا وأوروبّا.ولكن ، هذا كلّه لا يكفي ، فيجب أن تتضافر جهود الجميع ، الأسرة أوّلا ، بتشجيع أبنائها على التمسّك بتراثهم ، ومن ثمّ المؤسسات الثقافية التي يجب أن تعنى بالتوثيق من جهة ، والإحياء من جهة أخرى ، بتنظيم أيّام مفتوحة لذلك التراث ، تلتقي فيها الأجيال المختلفة لتنهل من المنبع الأم




No comments:

About Me

My photo
MARIESTAD, SWEDEN, Sweden
Powered By Blogger