Sunday, December 7, 2008

حق العودة للفلسطينيين

حق العودة للفلسطينيين

التهجير الذي حدث للفلسطينيين في 1948، ثم في 1967 هو جريمة إبادة صمتت عنها المؤسسات الدولية بالكامل وما زالت.
بالعكس أعطت الأمم المتحدة شرعية للجريمة بإنشاء وكالة الإغاثة أي إن المنظمة الدولية رأت التهجير أمراً طبيعياً، ولكن تحسن على ضحاياه عبر وكالة الإغاثة.
القرار الأممي 194 القاضي بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم يعود الفضل فيه إلى الكونت برنادوت، الذي كان وسيطا من الأمم المتحدة بين العرب وإسرائيل، وأدى طرحه لعودة المهجرين إلى اغتياله من قبل إسرائيل في 1948، والإدارات العربية حينذاك رفضت طرحه فاغتيل معنويا من قبل العرب، واغتيل جسديا من قبل إسرائيل. ومع أنه ابن أخت الملك السويدي غوستاف الخامس، فإن المجتمع الدولي صمت أيضاً عن تلك الجريمة العادية ولسخرية القدر أعطيت جائزة نوبل (السويدية) للسلام في سبعينيات القرن الماضي لقاتلي الكونت المسكين (؟).
تهجير الفلسطينيين لم يجر فقط في 1948 و 1967، وإنما يجري باستمرار عبر الاستيطان الإسرائيلي الذي يطرد الناس من قراهم وبيوتهم ومزارعهم، وعبر خطط الترانسفير (أي الترحيل)، التي تقوم بها الأجهزة السرية الإسرائيلية والأميركية، وأيضا يصمت المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة ومجلس الأمن عن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية التاريخية.
الإدارة الإسرائيلية هدمت جميع القرى والبلدات الفلسطينية، التي طردت منها سكانها وتقوم بطرد العرب الإسرائيليين من بيوتهم بذريعة أو بأخرى، وتهدم البيوت وتمنع العرب من تجديد السكن إنها مأساة ضخمة عاناها، ويعانيها الفلسطينيون.
واتفاقات أوسلو شرعنت المأساة، فهي قد صمتت عن حق العودة، صمتت عن حق تقرير المصير، ففلسطينيو الأراضي الفلسطينية المحتلة ليسوا فقط خاضعين للعسكرية الإسرائيلية، وإنما أيضا للحصار وللاستيطان وللحواجز وللمداهمات وللاقتصاد. إن العرب الإسرائيليين هم أفضل حقوقا بكثير من عرب الأراضي المحتلة عدا ذلك، السلطة الفلسطينية هي سلطة من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل، أما الشؤون الفلسطينية، فلا يستطيعون تجاهها شيئا، إلا بإذن من السلطات الإسرائيلية.
والاتفاقات، التي تراكمت على اتفاقات أوسلوا زادتها سوءا بالنسبة للفلسطينيين.
الشأن الفلسطيني تراجع إلى الصفر بعد الغياب الواقعي لمنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) وحلول السلطة الفلسطينية واقعيا محل م.ت.ف. في تمثيل الشعب الفلسطيني، والانشقاق الفلسطيني، الفلسطيني، الذي وصل درجة الصراع على السلطة، التي هي أصلا ليست سلطة.
المطاليب الفلسطينية تراجعت لتصبح تخفيف الإجراءات الأمنية حول هذا الحاجز أو ذاك، فتح معبر رفح، الحصول على كم من المحروقات، أو المواد التموينية، الخ. أما المطاليب الوطنية بحق تقرير المصير، ببناء الدولة المستقلة، بحق العودة، الخ، فقد أصبحت في السحاب وعندما يذكر المفاوضون الفلسطينيون هذه المطاليب أو بعضها في تصريحاتهم، فإنهم يعرفون، أنها في السحاب.
وعندما يذكر الأخوة في غزة مثل ذلك، فإنهم يعرفون، أنها في السحاب، لأن النضال في سبيلها يتعارض مع شق الشعب الفلسطيني، ومع الصراع على السلطة.
حق العودة هو جزء هام من المطاليب الوطنية الفلسطينية وهو جزء هام من منظور السلام الإقليمي والعالمي. لأن الحروب العشوائية، أو المخطط لها، التي ترمي بالناس خارج ديارهم، كما في فلسطين والعراق والسودان، والصومال والقارة الإفريقية عموما هي كارثة دولية تجعل الأمن مستحيلا في أي بقعة من العالم، وهي كارثة تحتاج حلولا جدية عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لأن هاتين المؤسستين هما المسؤولتان عن السلام الإقليمي والدولي.
وحق العودة هو شأن فلسطيني وعربي: فلسطيني لأن الفلسطينيين هم ضحية الكارثة، وعربي لأن العدوانية الممثلة باحتلال فلسطين تهدد كل البلدان العربية بدليل احتلال العراق، وغزو لبنان في 1982، ومحاولة احتلاله في 2006 وبألف دليل ودليل آخر.
لكن سواء كان حق العودة للفلسطينيين شأنا فلسطينيا أم عربيا أم دوليا (بموجب القرار 194) فإنه مجمد تماما لدى القيادة الفلسطينية ولدى الإدارات العربية وأيضا لدى المؤسستين الدوليتين، منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
طبعا القيادة الفلسطينية لا تقول، إن حق العودة مجمد، ولكنه مجمد واقعياً، ومجمد لأن فعل هذه القيادة، بصرف النظر عن آرائها وقناعاتها، لا يؤدي إلى ذلك الحق، أما الإدارات العربية، فالجامعة العربية، التي تمثل تلك الإدارات، تتجاهل حق العودة في قراراتها المتعلقة بفلسطين. والأمم المتحدة ليست صامتة فقط تجاه حق العودة، وإنما تجاه كل الإبادة المرتكبة ضد الفلسطينيين، فـ«الإدارة الإسرائيلية ترتكب الإبادة دفاعا عن النفس».
لا ريب أن الوضع الشاذ، الذي تقع فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحت هيمنة الإدارة الأميركية يحتاج تقويما، ولكن حتى يتم ذلك، يبقى من الصعب اللجوء للمؤسستين من أجل الوصول حتى إلى الحقوق البسيطة، مثل رفع الحواجز الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
حق العودة لا يمكن الوصول إليه من دون النضال، والنضال ليس كلمة أو شعارا، وإنما هو قرار سياسي، وقرار فلسطيني بالدرجة الأولى، وعربي أيضا.
لكن من هي الجهة الفلسطينية التي تصدر القرار؟ إنها م. ت. ف حتما، لأن م.ت.ف. تمثل الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفي بلدان اللجوء، والقرار يتطلب أن يكون صادرا عن جميع الفلسطينيين، لأنه يمسهم جميعا غير أن م.ت.ف. في وضعها الحالي، ليس فقط لا تستطيع إصدار مثل هذا القرار، وإنما أيضا لا تستطيع أن تمارسه.
م.ت.ف. من المفروض أن تنتصر على الانشقاق الفلسطيني ودون وساطات عربية، وأن تمثل النضال، لا التفاوض، والحل الفلسطيني للقضية الفلسطينية، لا الحل الطائفي ولا الحل الأميركي. وإذا استطاعت م.ت. ف. أن تحقق نقلة نوعية تجعلها ممثلة فاعلة للشعب الفلسطيني ولمصالح الشعب الفلسطيني القريبة والبعيدة المدى، فإنها تكون حينئذ قادرة على إصدار القرارات النضالية المناسبة.
الإدارات العربية غير مأمول منها عموما أن تقدم شيئا في النضال من اجل القضية الفلسطينية بالعكس، إنها لا تقدم، ولم تقدم حتى الآن، سوى المساعدة للمخططات الأميركية والإسرائيلية ضد القضية الفلسطينية، وضدها هي.
الإدارة الأميركية استطاعت بمساعدة حلفائها والأموال البترولية وأموال المخدرات والتجارات غير المشروعة أن تخمد النضالية وتزيفها إلى حد كبير في المنطقة العربية والشعب الفلسطيني والشعوب العربية عموما، وشعوب العالم الثالث بحاجة لبذل جهود كبيرة جدا ومضنية من أجل بناء وإعادة بناء أحزابها النضالية، التي تقودها في طريق التحرر.
ونضال الشعب الفلسطيني معقد جدا، ويحتاج ليس فقط نقلة نوعية في سبيله، وإنما أيضا التحالف والتعاون النضالي مع شعوب العالم.
في مطلع الثورة الجزائرية قال العربي بن مهيدي أحد قادة الثورة الأساسيين، إن معركتنا هي أعقد بكثير من معركة إخواننا في تونس وفي مراكش، إن علينا أن نقاتل سنوات لإقناع العالم أن الجزائر ليست أرضا فرنسية وأن نستمر في القتال حتى نحرر تلك الأرض وهكذا كان.
وينطبق كلام بن مهيدي على الشعب الفلسطيني، فهو يحتاج سنوات للنضال من أجل إثبات حقه الوطني، ثم النضال من أجل نيل ذلك الحق ويتمنى المرء أن تصل الإدارات العربية يوما إلى معرفة أن الإدارة الأميركية ليست حليفا وإنما عدو مثل هذا الأمل هو أيضا في السحاب.


No comments:

About Me

My photo
MARIESTAD, SWEDEN, Sweden
Powered By Blogger