Sunday, November 16, 2008

من لاجئ فلسطيني إلى لاجئ أمريكي ضربتكم ريتا، وضربتنا إسرائيل

قلوبنا تبكي لكم يا شعب أمريكا، فما أصعب ترك الوطن، ومغادرة البيت!! إنها حسرة تسكن القلب، ودمعة تنساب على الخد، كما عرفنا ذلك نحن الفلسطينيين، فلا جمر الحسرة ينطفئ، ولا دمعة الضياع تجف بعد عشرات السنين، لقد تآخيتم معنا يا شعب أمريكا، وصار بعضكم شريكنا في هم اللجوء، وأدركتم مثلنا مأساة الهرب من البيت طلباً للسلامة، وما فيها من الندامة ما يفوق السلامة، ولاسيما بعد أن يضمن الإنسان لنفسه البقاء، ويحاول أن يفتش عن ذكرياته فلا يجدها، ولا يجد من حوله الأشياء التي ألفها، ولا المقتنيات التي تعرفه، ولا الممتلكات التي كانت تحت إمرته قبل تركه وطنه، هذا ما خبرناه نحن الشعب الفلسطيني، ولذلك ترانا أكثر أهل الأرض توجعاً وتحسساً لمأساة من ترك بيته منكم يا شعب أمريكا، وهاجر إلى الشمال أو إلى الغرب بحثاً عن السلامة، ناجياً بنفسه، وولده من بطش إعصار كاترينا، أو إعصار ريتا، إن حالة اللاجئ الأمريكي المؤقتة لتشبه حال اللاجئ الفلسطيني الدائمة، من حيث الهجرة الإجبارية من البيت، والهروب الجماعي من الوطن قبل سبع وخمسين سنة، طلباً للنجاة وبحثاً عن السلامة من أعاصير الموت الإسرائيلي الذي يطاردهم، لقد تشابهنا اليوم يا أمريكا في اللجوء وطلب النجاة من الطغاة، ولقد تشابه أعداؤنا في القوة والبطش والتفوق والقسوة، والعنف. قلوبنا تبكي لكم يا شعب أمريكا، نحن الفلسطينيين ندرك أن لا فرق بين لاجئ ولاجئ، فالمثل العربي يقول: الثاكل تبكي للثاكل، وهذا ما يحرك بي كلاجئ فلسطيني التعاطف، والشفقة مع اللاجئين الأمريكيين الذي ضربتهم ريتا، وكاترينا، وتركتهم في العراء، لاجئين، بعيدين عن أرضهم، وبيوتهم، ومدارسهم، وملاعبهم، وذاكرتهم، مع الفارق الكبير بين لاجئ أمريكي مؤقت إلى حين انتهاء أيام انحسار أضرار وطوفان الأعاصير ريتا وكاترينا، وبين لاجئ فلسطيني ما زال بعد سبع وخمسين سنة لاجئاً، وليس ما يبشر بنهاية إعصار إسرائيل، ومع الفارق بين لاجئ أمريكي في وطنه، ولاجئ فلسطيني ضاع منه وطنه، وبين لاجئ أمريكي يجد من يستقبله، يهتم به ويرعاه، ولاجئ فلسطيني ما زالت تطارده أعاصير الأباتشي، وأف 16 الإسرائيلية، ولم يجد غير كثبان الرمل تعسف التراب في عينيه. قلوبنا تبكي لكم يا شعب أمريكا، رغم إن الفرق كبير بين لاجئ أمريكي ضمن السلامة بابتعاده عن تأثير إعصار كاترينا، وريتا، ولاجئ فلسطيني لا تتوقف وسائل الإرهاب، والعنف الإسرائيلي عن ملاحقته، لقد تعبت ريتا، وكاترينا، وانهارت، ولم تتعب إسرائيل من احتلال، وتصفية، وذبح الفلسطيني كلما لاحت لها عتمة، ومع ذلك فإن اللجوء واحد، والتوجع من هجر البيت عنوة متشابه، والمشاعر الإنسانية واحدة في ارتعاشها، لقد تشابه الوجع الأمريكي في اللجوء مع الوجع الفلسطيني في لحظات الخوف, والهروب، وتوقع الموت، وخشية الهلاك، وطلب السلامة، والالتفات إلى الخلف، وتوقع الأسوأ، لقد تقاسم الأمريكي مع الفلسطيني الوجع، وتقاسمت ريتا وكاترينا مع إسرائيل متعة النصر على الإنسان في حالة الضعف، وعنف البطش به، وتهجيره من بيته!!! قلوبنا تبكي لكم يا شعب أمريكا، ولن ينسى شعبنا الفلسطيني موقفكم الإنساني معنا سنة 1948، لقد أوصلتنا المنظمات الإنسانية الأمريكية مساعداتها؛ ونحن في أمس الحاجة إليها، فجاءنا الدقيق، والرز، والحليب، وزيت الذرة، والصابون، ومعلبات اللحمة والسمك، لقد كانت يد الشعب الأمريكي حنونة على اللاجئين، ومنحت ما ضمن بقاءهم أحياءً حتى يومنا هذا، لقد جاءنا الدقيق الأمريكي في أكياس بيضاء كتب عليها (ليس للبيع أو المبادلة، هدية من الشعب الأمريكي) صار الدقيق أرغفة خبزٍ أكلناها، وصارت الأكياس الفارغة سراويل تستر عوراتنا، وكانت تحمل ذات الجملة (ليس للبيع أو المبادلة) مكتوبة على قفا جيل كامل من رجال الشعب الفلسطيني، جيل ما زال مخلصاً ووفياً لترابه الذي ما غادره أبداً، وورث لأبنائه تجربة الأجداد، وحب البلاد. قلوبنا تبكي لكم يا شعب أمريكا، ونحن نتحسس مشاعركم التي ستفيق قريباً من صدمة اللجوء، لتتقاسم مع الفلسطينيين بعض ما يعانونه من عشرات السنين، لنلامس سوياً صدى الحنين إلى البيت، عندما يصير طوافة تقطر شوقاً كل الوقت، والتلهف على العودة إلى الوطن تطفو على سطح الذاكرة، لا شك أن هذه مشاعر إنسانية مشتركة بين اللاجئين الأمريكيين والفلسطينيين، تعزز الإدراك لديكم بأن الحياة لا تسير بالدقيق وحدة، الحياة وطن محرر من الغاصبين، وأرض لا تضربها أعاصير الإرهاب، الوطن عزيز يا شعب أمريكا، ومربع الصبا ليس للبيع أو للمبادلة، وذاكرة الإنسان الحر تأبى فكرة النسيان، والتخلي عن المكان الذي منح الآباء والأجداد الهوية، وحفر أخاديد الذاكرة، وبسط الأمل وحدد المصير المشترك. قلوبنا تبكي لكم يا شعب أمريكا، ونقول لكم: يدنا قصيرة عن تجفيف عرقكم، ومسح دمعتكم، وإمكانياتنا تضيق عن مساعدتكم، وعلاج جرحكم، ولكننا نمتلك قلباً يفيض نحوكم بالمشاعر الإنسانية الطيبة، التي لا تتمنى لأي إنسان أن يعيش يوماً واحداً لاجئاً بعيداً عن بيته، فكيف بالشعب الفلسطيني الذي ما زال لاجئاً بعيداً عن وطنه بعد تسع . وخمسين سنة

No comments:

About Me

My photo
MARIESTAD, SWEDEN, Sweden
Powered By Blogger